الجمعة, أبريل 19, 2024

الإستيطان الأمريكي – الصهيوني

|بقلم: محمد ناجي أحمد|

صورة الإستيطان الأمريكي - الصهيوني

يتماثل الإستعمار والاستيطان الإسرائيلي في فلسطين، مع الإستعمار الإستيطاني الغربي في أمريكا بنواح عدة. فبريطانيا هي الأساس في بناء المستوطنات الأمريكية، وهي الأساس في استجلاب اليهود إلى فلسطين وبناء المستوطنات الإسرائيلية لهم.

في كتاب «الأمريكيون – التجربة الإستعمارية» لدانيل جي .بورستن، نجد التماثل بين أمريكا وإسرائيل؛ فكلاً منهما يؤمن بأنه يؤسس صهيونه، أي مجتمعه الخيالي على أرض يزعم أنها بلا شعب، ولو كان ذلك على حساب السكان الأصليين وعلى حساب ثقافاتهم وحضاراتهم.
فالبيوريتانيون في عالمهم الجديد بأمريكا يرون أنهم نموذج المسيحية الحقة، لهذا بنوا «صهيون» في البرية الأمريكية «كمدينة على تلة لا يمكن للآخرين أن يتوجهوا إليها بأنظارهم من أجل أن يتعلموا. وكما كان المعبد هو المركز الإجتماعي والجغرافي في مدن نيوأنجلاند، فإن الموعظة كانت الحدث المركزي فيه».
هكذا يحضر الدين بأساطيره في العهد القديم لدى الأمريكيين ولدى الإسرائليين؛ فأهمية الموعظة، «كطقس ديني، مماثلة لأهمية المناسبات التي تعلّم فيها أهل ما بين النهرين القدامى من أحبارهم عن الأقدار التي جرت تشريعات آلهتهم». يتداخل القس والحاكم في الشخصية الأمريكية بشكل واضح، بل إن الصفتين تجتمعان لدى الرئيس الأمريكي، جيمي كارتر، كقس ورئيس للإدارة الأمريكية. ويبدو الوعظ الديني جلياً في الخطاب السياسي لدى ريغان، وجورج بوش الأب، والإبن و«وقوف الرب مع أمريكا» في حروبها ضد الآخرين «الأشرار».
منذ المستعمرات البريطانية التأسيسية في أمريكا نجد هذا المزج بين الديني ومقتضيات الحكم والمصالح العملية. في نيو أنجلاند كان القساوسة، كما قالوا هم أنفسهم، يستفتحون بنصوص الكتاب المقدس التي كان عليهم العيش وبناء مجتمعهم بموجبها. لقد اتصفت المواعظ بمسحة لاهوتية عميقة لكنها ذات طابع عملي واضح أيضاً، يقوم على القبول المشترك للديانة التي لم تترك للقسيس سوى اكتشاف فوائدها من أجل هداية القديسين وبناء «صهيون».
تتميز حرب أمريكا الباردة والساخنة ضد الإتحاد السوفيتي بأنها حرب صليبية في توظيف الدين المسيحي والإسلامي بمواجهة ما سمته «الشيوعية الملحدة». يقدم أهالي مستعمرة نيو أنجلاند في القرن الثامن عشر نموذجاً لهذا التداخل بين الديني والنفعي؛ فقد كانوا يطلقون على مكان عبادتهم «دار الإجتماع»، وكانوا يتحدثون عما عليهم أن يقدموه للعالم. لقد كانت المستوطنات الأمريكية، قبل استقلالها عن بريطانيا، تصيغ قواعدها القانونية على أنها نابعة من «كلمة الله وضوء الطبيعة الواضح في الأمم المتمدنة»، في دمج بين الكتاب المقدس والقانون الطبيعي.
كانت رؤية المستوطنين البيوريتانيين في أمريكا للهنود الحمر على أنهم «جند الشيطان». وكذلك وصفت إدارة ريغان الاتحاد السوفييتي بأنه «مملكة الشر» في مواجهة «مملكة الخير»: «الملحدون» في مواجهة «المؤمنين» من أتباع الديانتين المسيحية والإسلامية.

من هنا، نفهم الإنحياز الأمريكي الكامل للكيان الإستيطاني الإستعماري الإسرائيلي، وتصريحات الإدارات الأمريكية المتعاقبة عن أنه لا حقوق للفلسطينيين قد تتضارب مع القوة الإسرائيلية، ورفضها أي مشاركة دولية في حل القضية الفلسطينية، باستثناء ما يسميه أحد مستشاري كنيدي «الملازم أول البريطاني»، في وصف دال وعميق لطبيعة دور بريطانيا التابع للإدارات الأمريكية. وبحسب كسينجر، فيجب «ضمان ألا يشارك الأوروبيون واليابانيون في العمل الدبلوماسي الخاص بالشرق الأوسط»، بحسب ما ينقله تشومسكي في كتابه «قوى وآفاق».
لقد استمر البيت الأبيض، بعد سقوط جدار برلين عام 1989م، بالشرح أمام الكونجرس عن ضرورة إبقاء ميزانية البنتاجون في مستوى هائل. وبحسب نعوم تشومسكي، في كتابه «قوى وآفاق – تأملات في الطبيعة الإنسانية والنظام الإجتماعي» (ترجمة: ياسين الحاج صالح – 1998م)، فإن مهندس فكرة قوات الإنتشار السريع أمام كارتر، التي سُمّيت في ما بعد «القيادة المركزية»، شدد على أن هذه القوات موجهة نحو الشرق الأوسط ، وأن استخدامها المرجح لن يكون لمقاومة هجوم سوفييتي (مستبعد جداً)، بل التعامل مع الإضطرابات الإقليمية وتلك التي يقوم بها السكان الأصليون، أو «الوطنية الراديكالية التي كانت دائماً هماً سياسياً».
يعمل الإعلام الأمريكي – البريطاني وتوابعه على تعتيم الحقائق بخصوص قتل الفلسطينيين، والفظاعات والإساءات بحقهم قلما تحظى باهتمام، وهي قطعاً لا تنال التغطية البارزة والاستنكار العنيف لـ«القتل المجنون» (نيويورك تايمز ) حين يكون الضحايا يهوداً إسرائليين. فالقتل لايكون «مجنوناً» في الإعلام الغربي إلا إذا كان القتلى يهوداً!
توظف أمريكا «لعبة الديمقراطية»، وتساند الكيانات الإستبدادية والصهيونية في المنطقة العربية والشرق أوسطية. كل ذلك في خدمة «السوق»، بل إن حرية التجارة بالنسبة إليها هي واحدة من ألعابها التي توظفها في خدمة احتكاراتها. ويمكن معرفة عمق خوفها من الديمقراطية وكراهيتها لها في موقفها من ديمقراطيات أمريكا اللاتينية وإيران.
لقد صيغت الأيديولوجيا الأمريكية المعاصرة على يدي ريكاردو ومالتوس وآخرين. فالناس لا حقوق لهم، وغلطة التنوير والحداثة أنها جعلت الشعوب يعتقدون أن لهم حقوقاً ومكانة في المجتمع. أما العلم الجديد فقد أثبت أن مفهوم الحق في الحياة «مجرد أكذوبة». ليس هناك من خيار سوى السوق أو الموت أو الذهاب إلى مكان آخر، أي استئصال السكان الأصليين وطرد ما يتنافى مع «اقتصاد السوق»، كما يورد ذلك نعوم تشومسكي في كتابه آنف الذكر.
هذا «السوق» الذي جعل أمريكا بعد تفكك الإتحاد السوفيتي تعمل على زيادة ميزانية البنتاجون، وتنشّط انتشار الأسلحة في العالم الثالث مع تطويرها وتعقيدها التكنولوجي، جعل حصتها في مبيعات الأسلحة لبلدان العالم الثالث ما يقارب ثلاثة أرباع مبيعات الدول الأخرى لهذا العالم! وسياسة مبيعاتها تقوم على أساس: «لقد بعنا F16 في العالم كله، ماذا سيحصل إن انقلب (صديق أو حليف) علينا؟ من أجل تجنب هذا الخطر علينا أن نبيع أسلحة أشد تعقيداً للخصوم المحتملين»، أي للخصومات البينية داخل العالم الثالث والشرق الأوسط بشكل خاص.

خليك معنا

آخر الأخبار

مرحبا بعودتك!

تسجيل الدخول إلى حسابك أدناه

استرداد كلمة المرور

الرجاء إدخال اسم المستخدم أو عنوان البريد الإلكتروني لإعادة تعيين كلمة المرور الخاصة بك.

أضف قائمة تشغيل جديدة

Are you sure want to unlock this post?
Unlock left : 0
Are you sure want to cancel subscription?