الصباح اليمني_قراءات|
منذ انسحاب جيش العدو من جنوب لبنان، عمد الكيان الصهيوني إلى إستراتيجية جديدة تستند إلى الدفاع المتحرك بين الجبهات. هذه المقولة تُردُّ لواقع جديد دخله الصراع العربي-الصهيوني أوصل العدو إلى حقيقية وجودية مرعبة:( لم نعد قادرين على إحتلال شبر إضافي من الأرض خارج الكيان، وإذا حصل وسيطرنا على هذا الشبر فسوف ندخل في حرب إستنزاف قاتلة تجعل من ثمن هذا الاحتلال الجديد فوق إحتمال الكيان).
لم يكن الانسحاب من جنوب لبنان وغزة إلا “نقلة” يضع فيها جيش العدو عناصر قوته ضمن “إطار أخير” لا يمكن التنازل عنه، وأي خرق له سيكون المؤشر الأبرز على بدء الإنهيار الشامل للكيان بكليته… وإذا ما وصل الكيان إلى هذه النقطة الحرجة سيكون سلاحه غير التقليدي هو الحل الطبيعي لهذا الوضع “غير التقليدي”.
إستناداً إلى هذا التقييم الإستراتيجي لبيئة الأمن القومي لكيان العدو، لجأ العدو إلى إستراتيجية بعدة رؤوس، منها:
نسج علاقات سياسية – أمنية – عسكرية مع قوى “الإعتدال العربي” لتحسين واقع الأمن القومي للكيان، ووقف حالة الإنهيار المادي والنفسي والمعنوي لدى المغتصبين؛ فتصبح صورة “وزيرة” في مسجد زايد نصراً باهراً، وعزف “النشيد الوطني” لكيان العدو في الدوحة أمراً يدعو للبكاء فرحاً وتأثراً.
-
تفجير الصراعات الفرعية في محيط الكيان، لإستنزاف طاقات هذا المحيط، وتعطيل أي مسعى جدي لإنهاء هذا الاحتلال، وخلق واقع يولد الأزمات وغير قادر أبداً على إنتاج الحلول وتنفيذها… وما يجري بين حماس وفتح مثال ساطع على هذا المسعى.
-
ضرب مفاتيح القوة في المعسكر المعادي لكيان العدو، وأقصد هنا: الخبراء والفنيين العسكريين، القادة الميدانيين، العلماء باختلاف تخصصاتهم، القادة الأمنيين البارزين، دعاة الوحدة والنهوض وصناع الوعي… .
-
“إقناع” قيادات وشعوب دول عربية بعينها بضرورة وضع نهاية للصراع العربي – الصهيوني، لإنشاء تكتل سياسي – عسكري – أمني – إقتصادي يشكل الرافعة لبناء قوة إقليمية تقودها تل أبيب، وتكون قادرة على فرض إرادتها المطلقة على مجمل الإقليم “سلماً” أو حرباً، ولنتذكر هنا أن بريطانيا احتلت الأراضي العربي التي رزحت تحت نير استعمارها بمليون جندي أقل من مئة ألف منهم كانوا بريطانيين، وأما البقية فكانوا من المسلمين الذين “غطتهم” الفتاوى الدينية، وهذا بعض من أهمية إمساك بريطانيا بدور الفتوى التاريخية أو من يمثلها في مكة والمدينة والقدس والنجف وكربلاء والأزهر… .
-
الإستماتة في محاولة إستعادة رمزية الدور –لا الدور- وجوهر الوظيفة من وراء إنشاء الكيان بوصفه: ثكنة أو مخفر غربيّ في المنطقة، تعيش جبهته الداخلية أقصى درجات الأمن، بينما هو مطلق القدرة في تنفيذ التوسع الناجح وغير القابل للصد، وفرض المعادلات والمشاريع في محيطه… . تظهر إستماتته عبر طرحه مشاريع بديلة مقزمة وهزيلة “تنقذه” معنوياً من حالة انسداد الأفق العسكري – الميداني المستمر منذ العام 1967 تقريباً… مثل المحاولات اليائسة في فرض “يهودية الدولة” وتحويل القدس عاصمة للكيان، ودعم أدوات الغزو الإرهابي في سورية وسابقاً في جنوب لبنان… .
-
توجيه ضربات ذات طابع تكتيكي قد تنتج تحولاً إستراتيجيّاً أو تمنح الكيان المزيد من الوقت على أقل تقدير، حتى تُنضج الآليات السابقة بعض أو كل أهدافها، مثلاً: الإغارة على مواقع الجيش العربي السوري وضرب بعض منشآته ذات الطابع التقني – العسكري… استغلالاً لحالة الضعف الإستثنائي الذي تعرضت له سورية والجيش العربي السوري، بفعل هجوم هائل نفذته جيوش الجيل الخامس من الحروب عليهما تحت غطاء “الربيع العربي”… فباتت العاصمة محاصرة وتحت القصف ومثلها كل المدن السورية، وكان وسط البلاد مهدد بالشطر عندما سيطرت هذه الجيوش على تدمر ومعظم الصحراء من جهة، ومحافظة إدلب وشمال محافظ حماه من جهة ثانية… في الوقت الذي سقط وحُيّد فيه عدد كبير من المطارات العسكرية، وأُلحق ضرر هائل بمنظومات الدفاع الجوي ومكوناته.